شكل المؤتمر الوطني الخامس للنقابة الديمقراطية للعدل العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل، المنعقد على مدى أيام 7، 8، و9 تحت شعار «25 سنة من النضال وسنواصل» بالمركب الدولي للطفولة والشباب ببوزنيقة، تمرينا ديمقراطيا ومحطة تنظيمية راقية على جميع المستويات في تاريخ هذه النقابة المؤسسة، ولبنة من اللبنات الأساسية لتعزيز وتأهيل المركزية النقابية الفدرالية الديمقراطية للشغل لكسب الرهانات الاجتماعية ومجابهة التحديات السياسية والاقتصادية لتحقيق المزيد من المكتسبات وتعزيزها للشغيلة المغربية التي تعاني في وقت أكثر مما مضى من عدة مشاكل اجتماعية ومادية مرتبطة بالحقوق والحريات النقابية.
لقد حول أعضاء وعضوات النقابة الديمقراطية للعدل، هذا المؤتمر، إلى مناسبة فضية للاحتفاء بربع قرن من النضال والبناء النقابي بهذا القطاع الذي كان إلى وقت غير بعيد ممنوعا من الممارسة النقابية داخله، لكن بفضل التضحيات الجسام والعمل الجدي والصمود والوحدة والتضامن، واجهوا كل الصعوبات والمطبات التي كانت تعترض مسيرتهم النقابية والاجتماعية وترسيخ الاعتراف بهذا الحق والممارسة النقابية الجادة والمفضية إلى حوارات وتفاوضات منتجة، حققت مكتسبات لشغيلة القطاع.
عرفت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الخامس للنقابة الديمقراطية للعدل، الناجحة بكل المقاييس، حضورا نوعيا وكميا، تمثل في عدد من ضيوف المؤتمر ، الفعاليات السياسية، والنقابية والحقوقية والمهنية وممثلي وسائل الإعلام والصحافة، وفي مقدمة هؤلاء، السفير الفلسطيني بالرباط جمال الشوبكي، والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ويوسف ايدي الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين وعبدالرحيم شهيد رئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس النواب وعدد من الكتاب العامين للقطاعات الوطنية النقابية المنضويين تحت لواء الفدرالية الديمقراطية للشغل، وعدد من البرلمانيات والبرلمانيين بالغرفة الأولى والغرفة الثانية، وممثل الرئيس المنتدب لدى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمدراء المركزيين بوزارة العدل، والمدير العام للمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لأطر وموظفي وزارة العدل، والنقباء المحامين.
ما ميز هذه الجلسة الافتتاحية، الكلمة التي ألقاها الكاتب الأول للحزب الأستاذ إدريس لشكر، التي أكد فيها على أهمية قطاع العدل بالبلاد، ودور العدالة والقضاء في جلب ونجاح الاستثمارات الخارجية بالبلاد، وهذا لا يتأتى إلا بفضل الاهتمام والعناية بالموارد البشرية بقطاع العدل، من أجل تعزيز استقلالية القضاء والعدالة بالبلاد.
واعتبر الكاتب الأول للحزب، أن النقابة الديمقراطية للعدل لها مكانة خاصة في قلبه رغم تعاطفه مع كل سائر القطاعات النقابية المنضوية تحت لواء الفدرالية الديمقراطية للشغل، باعتبار أنه كان متابعا لمسيرتها النقابية والنضالية، ولعب دور الوسيط كرئيس للفريق الاشتراكي بمجلس النواب في عهد حكومة التناوب مابين وزارة العدل في شخص وزيرها آنذاك المرحوم محمد بوزوبع والنقابة الديمقراطية للعدل في شخص كاتبها العام آنذاك عبدالصادق السعيدي، إبان فترة الحراك الاجتماعي لشغيلة القطاع.
وذكر الكاتب الأول للحزب، أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان أول المدافعين والمناضلين من أجل الاعتراف وترسيخ الممارسة النقابية بقطاع العدل، والمساند والمدعم القوي للنقابة لإقرار الحريات النقابة والممارسة النقابية القانونية بالقطاع الذي كان يعتبره البعض في الأمس القريب أن موظفات وموظفين القطاع يدخلون في حكم حاملي السلاح والعسكريين، وممنوعون من الانتماء النقابي، إلا أنه كان النضال والصمود وتوج بالاعتراف بممارسة هذا الحق النقابي داخل القطاع، وتم ترسيمه في عهد الوزير الاتحادي محمد بوزوبع.
وبالموازاة مع ذلك، أشار لشكر إلى أن المسيرة النضالية للنقابة الديمقراطية للعدل في انتزاع الانتماء وممارسة الحق النقابي، مرتبطة بمسيرة النضال من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة بالبلاد التي قامت بها الأحزاب الوطنية الديمقراطية في إطار بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، مبرزا في هذا الصدد دور الوسيط الذي لعبه كرئيس للفريق الاشتراكي بمجلس النواب، بين الوزارة والحكومة من جهة والنقابة من جهة أخرى في عدد من الملفات الحارقة، باعتبار أن النقابة كانت تخوض إضرابات قوية عن العمل وصلت إلى شل مؤسسات الوزارة والمحاكم، وكان من الضروري في ذلك الوقت البحث عن التوافق.
ولم تفت الكاتب الأول للحزب، الفرصة للتنويه بالنقابة على استقلالية القرار النقابي والمحافظة على حجم التمثيلية الكبرى التي تتمتع بها داخل اللجان الثنائية بالوزارة، وهي في نفس الوقت التي بوأت نقابة العدل لتتحمل مسؤولية الكتابة العامة للمركزية النقابية الفدرالية الديمقراطية للشغل، وكذلك مصداقية النقابة ونضاليتها هي من ساهمت في اتخاذ القرار داخل حزب الاتحاد الاشتراكي والفريق البرلماني بمجلس المستشارين لاختيار يوسف ايدي الكاتب العام للنقابة الديمقراطية للعدل لقيادة الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بالغرفة الثانية.
إلى هذا، هنأ الكاتب الأول النقابة الديمقراطية للعدل على التوافقات والاتفاقات التي توصل إليها مع الوزارة بالرغم من الظروف الصعبة الوطنية والدولية، مسجلا في هذا الصدد أن الحكومة مطالبة بالوفاء بالتزاماتها ومخرجات الحوار القطاعي، ومؤكدا كذلك بهذا الخصوص أن الاتحاد الاشتراكي كحزب وإعلامه وفريقيه البرلمانيين، يعلنون تضامنهم المطلق واللامشروط مع النقابة وملفها المطلبي.
من جانبه، أكد جمال الشوبكي سفير دولة فلسطين بالمغرب، أن الشعب الفلسطيني يتعرض لإبادة جماعية في قطاع غزة، والحكومة الإسرائيلية المتطرفة، تجاوزت كل الحدود الإنسانية عبر تقتل الشعب الفلسطيني وسياسة التجويع والإبادة الجماعية والتهجير وبأبشع الأساليب. وأكد السفير أن المغرب وفلسطين شركاء في القدس، رغم محاولة الاحتلال الصهيوني هدم باب المغاربة، فالمغاربة ببيت المقدس نسيج من المجتمع الفلسطيني، وناضلوا من أجل القضية الفلسطينية ودافعوا عن كل مقدساتها. منوها بما قدمه المغرب ملكا وشعبا وحكومة خدمة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية, تحت القيادة السامية لجلالة الملك رئيس لجنة القدس.
إلى هذا، شدد السفير على أن الشعب الفلسطيني، يناضل من أجل السلام القائم على العدل والحرية وإنهاء الاحتلال الصهيوني، وتحرير مدينة القدس، مشيدا بمواقف حزب الاتحاد الاشتراكي وزملائه في الحركة الوطنية والديمقراطية تجاه القضية الفلسطينية، قائلا في هذا الصدد» إنكم الجانب الصحيح في التاريخ بجانب الإنسانية».
وسجل السفير الفلسطيني اعتزازه بالتجربة الديمقراطية داخل المغرب بالأحزاب والنقابات المغربية التي تشكل نموذجا يحتذى به في الوطن العربي ككل، راجيا في نفس الوقت أن يكون هذا النموذج المغربي في كل الوطن العربي.
من جهته، أكد نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، أحمد نويكة، أن هذا المؤتمر يأتي في سياق عربي ودولي مؤلم وهو حرب الإبادة على قطاع غزة من طرف الكيان الصهيوني، وكذلك يأتي المؤتمر في سياق وطني يتسم بالغلاء وارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
وشدد المتحدث على أن النقابة ساهمت في تحسين أوضاع الشغيلة داخل قطاع العدل، بنضالاتها وترافعها دفاعا عن المطالب العادلة والمشروعة لموظفي القطاع، دون أي نقابة أخرى.
وبهذه المناسبة، تساءل نويكة، قائلا «كيف يعقل ألا تشارك نقابة بحجم النقابة الديمقراطية للعدل وتمثيليتها بالقطاع في الحوار المركزي حول الوظيفة العمومية وإصلاح صناديق التقاعد؟»، مستنكرا الإقصاء من الحوار المركزي الذي تعرضت له الفيدرالية الديمقراطية للشغل من طرف الحكومة.
وفي الأخير، أشار النويكة إلى أن العديد من القضايا والملفات مطروحة على المؤتمر، يجب مناقشتها وتدارسها بكل مسؤولية وجدية، والخروج بخلاصات وتوصيات للارتقاء بوضعية الشغيلة بقطاع العدل.
أما يوسف أيذي الكاتب العام للنقابة الديمقراطية للعدل العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، فقال إن هذا المؤتمر الوطني ينعقد بعد مضي 25 سنة من تأسيس الفعل النقابي بقطاع العدل، هذا التأسيس الذي شكل عنوانا مميزا لمغرب الألفية الجديدة وامتحانا حقيقيا للانفتاح الحقوقي الذي عرفه المغرب مع بداية التناوب التوافقي بقيادة المجاهد الفقيد عبد الرحمان اليوسفي، وإذا كان الرعيل الأول من المناضلات والمناضلين قد أبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن حقهم في التنظيم والعمل النقابي وبذلوا في سبيل ذلك كل التضحيات الممكنة، فإننا اليوم ونحن على هذه المسافة من لحظة التأسيس نعتبر أن تلك التضحيات لم تذهب سدى بل ساهمت في تأصيل عمل نقابى ملتزم بقضايا شغيلة العدل.
وأوضح إيذي، أن النقابة الديمقراطية للعدل شكلت على امتداد مسارها التنظيمي والنضالي عنوانا للفعل النقابي الملتزم الجامع بين شراسة الفعل النضالي وموضوعية الترافع عن القضايا العادلة والمشروعة لهيئة كتابة الضبط، وبين التمسك بآليات الحوار المنتج وفق ما يقوي من منسوب الثقة بيننا وبين شراكتنا الاجتماعيين ويختصر الزمن الممكن للوصول للأهداف المنشودة دون طوباوية أو تعسف في ممارسة الحقوق النضالية.
وسجل إيذي، «أننا اليوم إذ نحتفي بهذه الذكرى في هذه المحطة التنظيمية الهامة فإننا نحتفي بقيم ومبادئ تأسيس البديل النقابي الديمقراطي الحداثي الذي كانت النقابة الديمقراطية للعدل أهم إنتاجاته وتجلياته حيث تربت في كنف هذا البديل وعاشت بقيمه ومبادئه وتطورت بفعل مساحة الاستقلالية في ممارسة الفعل النضالي واتخاذ القرار وتدبير التنظيم «.
وذكر ايذي، بأن حرب الإبادة الجماعية التي تنهجها إسرائيل في حق أبناء الشعب الفلسطيني، مازالت مستمرة في غزة والضفة والقدس، كأطول حرب يخوضها العدو الصهيوني، أمام مرأى ومسمع المنتظم الدولي وبتواطؤ مفضوح للدول الغربية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لتنفيذ مشروع استئصالي يروم قتل كل مناحي الحياة في غزة، وقبر فكرة الدولة الفلسطينية.
وتابع ايذي، ونحن اليوم كجزء من الشعب المغربي الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية، والذي لم يتخلف يوما عن أي محطة من محطات دعم الشعب الفلسطيني ندين بشدة المجازر الوحشية لآلة القتل الصهيونية بدعم أمريكي امبريالي فاضح، أمام عجز عربي وأممي مخجل، ونطالب بوقف هذه الحرب القذرة ووقف مسلسل الإبادة الجماعية في حق النساء والأطفال والشيوخ، وسياسة التدمير المنهجي لكل الشروط الإنسانية للبقاء، هذه الحرب التي لم تستطع كسر شوكة إرادة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه وعن حقه في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف .
وأضاف ايذي، «في هذا السياق نعبر عن اعتزازنا بالأدوار التي تقوم بها المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك في المواقف الثابتة والدائمة لنصرة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية».
وأكد ايذي، أنه لابد من الوقوف عند المكتسبات السياسية والديبلوماسية المهمة التي تحققها بلادنا في مسار الحسم النهائي لملف وحدتنا الترابية، تلك المكتسبات التي تتعزز بالمشاريع التنموية الداعمة لنمو وازدهار المنطقة والمحفزة لأبنائها للانخراط في هذا المجهود التنموي الوطني بروح منفتحة على المستقبل ومعززة للدور التاريخي للمغرب في ربط القارة الأوروبية بالعمق الإفريقي بمنطق رابح رابح، وهو ما تبلور في مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب والمبادرة الملكية الرائدة بفتح الواجهة الأطلسية لدول الساحل الإفريقي وجعلها منطقة واعدة للتنمية والازدهار الإفريقي. مشددا على أن هذه المكتسبات تجعلنا اليوم أكثر حرصا لتنبيه الحكومة لكل النقائص التي قد تعطل مسيرة النمو والتي قد تخلق حالة الشك والتردد لدى المواطن المغربي عامة ولدى الطبقة المتوسطة بشكل خاص، ذلك أننا نعتبر هذه الطبقة هي صمام أمان الاستقرار والمحرك الاقتصادي والبنية البشرية القوية والمؤهلة لرفع كل رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
واستنكر ايذي، الاستهداف المتكرر للقدرة الشرائية للمواطنين عبر الزيادات المتتالية في المواد الأساسية، محملا الحكومة مسؤولية اختلال الأوضاع الاجتماعية.
ومن جهة أخرى، أكد ايذي، أن قطاع العدل عرف خلال العشرية الأخيرة تطورا ملحوظا إن على مستوى البنية البشرية ومستوى تكوينها وتنوعها أو على مستوى حجم الالتزامات المترتبة على هيئة كتابة الضبط بعد إقرار استقلالية السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، تلك الالتزامات التي لم يواكبها المجهود المفترض في تطوير الهياكل الإدارية وتخفيف مركزة القرار والتدبير الإداريين عبر إحداث مديريات جهوية وفق ما يضمن انخراط القطاع في الورش الوطني المرتبط بالجهوية الموسعة، مثلما لم يواكبه الالتفاف على الأوضاع المادية والاعتبارية لموظفي المحاكم بما يضمن تحفيزها وتحصينها وجعلها في وضع مادي واعتباري يوازي باقي مكونات جهاز العدالة ببلدنا.
وشدد على أن «الأوضاع المهنية سيكون لها بلا شك النصيب الأكبر في مناقشات أشغال المؤتمر، وهي المناقشات التي نريدها منفتحة على المستقبل، متشبعة بروح النقد البناء لمسارنا النضالي والتنظيمي ومستحضرة لشروط بناء جهاز عدالة قوي وناجع ومستلزمات انخراطنا في تحقيق تلك الشروط».
وتابع ايذي، «ومن منطلق ذات القيم والمبادئ سنواصل مسارنا في الدفاع عن قضايا وهموم شغيلة العدل خاصة والشغيلة المغربية عموما من مرجعيتنا الديمقراطية والتقدمية في مواجهة كل المخططات الرامية إلى تدجين الطبقة العاملة وتحييدها عن أدوارها الطلائعية في البناء الديمقراطي والاقتصادي، وعن مركزيتها في تعزيز دعائم الدولة الاجتماعية»
وختم كلمته بأنه «سنكون دائما جزءا لا يتجزأ من المشروع الوطني لمواصلة خلق التراكم في بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها الديمقراطية، في مغرب يواصل وبقيادة جلالة الملك نحت موقعه في المنتظم الإقليمي والقاري والدولي».
كما شهد هذا الحفل الافتتاحي تكريم جيل المؤسسين للنقابة الديمقراطية للشغل ممثلة في أول مكتب وطني للنقابة الذين قدموا تضحيات جسام لهذا الصرح النقابي، ونضالات في سبيل الدفاع عن الشغيلة بقطاع العدل.